التخاطر هو تبادل الأفكار والمشاعر والمعلومات بين شخصين أو أكثر دون استخدام الحواس الخمس المعروفة أو أي وسيلة اتصال مادية. إنها ظاهرة غامضة وساحرة، لطالما أثارت فضول البشر منذ فجر التاريخ.
فقد تحدث عنها الفلاسفة والحكماء في مختلف الحضارات القديمة، من المصريين والإغريق والهنود والصينيين.
في مقالتي هذه سوف تفهم أهم الأشياء عن التخاطر.
- التخاطر ودراسته الحقيقيه
- كيفية استخدام التخاطر
- النظريات الصحيحه
- التخاطر في الحب
الاهتمام العلمي الحقيقي بالتخاطر بدأ في القرن التاسع عشر، مع ظهور حركة البحث النفسي (Psychical Research).
في عام 1882، صاغ عالم الفيزياء الإنجليزي فريدريك مايرز مصطلح “التخاطر” لأول مرة، مشتقًا إياه من الكلمتين اليونانيتين “tele” بمعنى “عن بعد”، و”patheia” بمعنى “شعور” أو “انفعال”.٢
منذ ذلك الحين، خاض العديد من الباحثين غمار هذا الموضوع الشائك، محاولين إماطة اللثام عن أسراره.
فأجريت تجارب لا حصر لها، وطُرحت نظريات متنوعة، وكُتبت مئات الأبحاث والكتب عن التخاطر, لكن رغم كل هذه الجهود، لا يزال التخاطر يحتفظ بهالته الغامضة التي تستعصي على التفسير.
كيف يشعر بك الطرف الآخر عند التخاطر؟
عندما يحدث التخاطر بينك وبين شخص آخر، فإنه عادةً ما يختبر مجموعة من الأحاسيس والمشاعر الغريبة.
فقد يشعر فجأة بطاقة إيجابية أو هالة من الدفء والحب تغمره، دون سبب واضح. أو قد تخطر ببالهً فكرة أو صورة ذهنية مرتبطة بك، كأن يتذكر موقفًا جميلًا جمعكما معًا أو يرى وجهك في مخيلته.
في بعض الأحيان، قد يختبر الطرف الآخر إحساسًا غامضًا بأنك تحتاج إليه أو تناديه، فيشعر برغبة ملحة في التواصل معك أو طمأنتك وقد يصاحب ذلك أيضًا ردود فعل جسدية لا إرادية، كوخز مفاجئ في القلب، أو شعور بفراشات في المعدة، أو حكة في إحدى الأذنين.
كل هذه العلامات تشي بوجود ترابط تخاطري بينكما، يتجاوز حدود الزمان والمكان، ويسمح بتدفق الأفكار والمشاعر والطاقات من عقل إلى آخر، ومن قلب إلى قلب.
التخاطر العقلي وأسراره
التخاطر العقلي هو شكل من أشكال التواصل اللاحسي، يتم من خلاله نقل الأفكار والصور والانطباعات الذهنية بين شخصين أو أكثر، دون استخدام أي وسيط مادي وهو يختلف عن التخاطر العاطفي الذي ينطوي على نقل المشاعر والأحاسيس، أو التخاطر الحركي الذي يتضمن التأثير على الأجسام عن بُعد.
يعتقد بعض الباحثين أن التخاطر العقلي يعتمد على آليات كمومية غير مفهومة تمامًا بعد، كالتشابك الكمي بين الجسيمات دون الذرية في أدمغة المتخاطرين, بينما يرى آخرون أنه قد ينطوي على حقول مغناطيسية كهربائية ضعيفة جدًا، تنبعث من النشاط العصبي المتزامن بين الأشخاص على مستوى اللاوعي.
بغض النظر عن الآليات الكامنة، فقد أشارت العديد من التجارب والدراسات إلى وجود دليل أولي على حدوث التخاطر العقلي، لا سيما بين الأزواج والأصدقاء المقربين والتوائم إلا أن الأدلة لا تزال متناثرة ومختلطة، وهناك حاجة لمزيد من البحث المنهجي لتأكيد هذه الظاهرة أو دحضها.
هل التخاطر الروحي حقيقي؟
الكثير من الناس يؤمنون بوجود نوع خاص من التخاطر، يتجاوز العقل والجسد، ويمس العمق الروحي للإنسان. إنه التخاطر الروحي، الذي يحدث بين الأرواح على مستوى لطيف وغير مادي.٨
وفقًا لهذا المعتقد، فإن لكل منا جوهرًا روحيًا خالدًا، يتصل بجميع الأرواح الأخرى عبر حقل شامل من الوعي والطاقة الكونية, ومن خلال الدخول في حالة من التأمل العميق أو الاستبطان الصوفي، يمكننا تنشيط إمكاناتنا الروحية الكامنة والتواصل تخاطريًا مع الآخرين على هذا المستوى الأسمى.
لكن هل هناك دليل ملموس على وجود مثل هذا النوع من التخاطر؟
الحقيقة أن الأدلة العلمية شحيحة ومتضاربة في هذا الصدد. فمعظم الروايات عن التخاطر الروحي هي تجارب شخصية ذاتية، يصعب التحقق منها أو تكرارها تحت ظروف خاضعة للرقابة.
ورغم أن بعض الدراسات الاستقصائية وجدت أن نسبة كبيرة من الناس تؤمن بإمكانية التخاطر الروحي وتدعي اختباره، إلا أن هذا لا يشكل برهانًا على حقيقته فقد تكون مثل هذه التجارب ناتجة عن تحيزات إدراكية أو ظواهر نفسية أخرى، كالتفكير الرغبي أو الإيحاء الذاتي أو تأثير الهالة.
لذلك، فإن مسألة وجود التخاطر الروحي لا تزال مفتوحة ومثيرة للجدل، وتحتاج لمزيد من البحث والتمحيص العلمي الدقيق.
كيف تجعل شخص يفكر فيك ويحبك باستخدام التخاطر؟
هناك الكثير من النصائح والتقنيات المنتشرة على الإنترنت حول كيفية استخدام التخاطر لجذب انتباه شخص ما أو التأثير على مشاعره تجاهك. لكن معظم هذه الادعاءات لا تستند إلى أدلة علمية صلبة، وقد تنطوي على مبالغات أو مغالطات.
فمن الناحية العلمية، لا توجد طريقة مؤكدة لجعل شخص يفكر فيك أو يحبك عن طريق التخاطر وحده. فالمشاعر والأفكار الحقيقية تنبع من داخل الشخص نفسه، ولا يمكن فرضها عليه من الخارج بشكل قسري.
لكن هذا لا يعني أنه لا يمكنك تعزيز التواصل التخاطري مع من تحب فالكثير من خبراء التنمية الذاتية والروحانية يؤكدون على أهمية تنقية النوايا، والتركيز الإيجابي، وبناء تردد عاطفي متناغم مع الشريك.
كما أن هناك بعض التمارين العملية التي قد تساعد في تقوية الرابط التخاطري، مثل التأمل المشترك، وتبادل الطاقة عبر اللمس، والتواصل بالعيون، وتخيل الذات في مكان الآخر.
كيف يتم التخاطر بشكل صحيح؟
ليس هناك طريقة واحدة “صحيحة” للتخاطر تناسب الجميع. فالتجربة التخاطرية فردية وذاتية إلى حد كبير، وتعتمد على الحساسية والقابلية الشخصية لكل فرد.
كما هو الحال مع أي مهارة أخرى، يتطلب إتقان التخاطر الممارسة المنتظمة والصبر. لا تيأس إذا لم تحصل على نتائج فورية، واستمر في التدرب يوميًا لفترات قصيرة. ومع الوقت، ستلاحظ تحسنًا في قدرتك على الإرسال والاستقبال التخاطري.
هناك بعض المبادئ والخطوات العامة التي قد تزيد من فرص حدوث التخاطر وتعزز جودته، ومنها:
1.أخلق بيئة هادئة
اختر مكانًا خاليًا من الضوضاء والإلهاءات، واجلس في وضعية مسترخية، وتأكد من شعورك بالأمان والراحة.
2.هدء عقلك من التركيز.
خذ نفسًا عميقًا، أغلق عينيك، حاول تفريغ ذهنك من الأفكار المشوشة، ثم ركز على نيتك في التواصل تخاطريًا مع الشخص المقصود.
3.تخيل الأتصال التخاطري
تخيل وجود خط أو حبل من الطاقة الذهبية يمتد من مركز حدسك (عادة في منطقة العين الثالثة أو القلب) إلى مركز حدس الشخص الآخر. تصور الأفكار والمشاعر والصور تتدفق بحرية وسلاسة عبر هذا الخط.
4.إبدء بإرسال رسالتك
ركز على الرسالة المحددة التي تريد نقلها للشخص الآخر، سواء كانت كلمات أو صورًا أو مشاعر. تخيلها تتشكل في ذهنك ثم انطلق عبر خط الاتصال التخاطري بوضوح ودقة. كرر الرسالة عدة مرات بثبات وإيجابية.
5.إستقبل الرسالة
بعد إرسال الرسالة، اسمح لذهنك بالتأمل الهادئ، وانتبه لأي أفكار أو انطباعات أو صور قد ترد إليك من الشخص الآخر. لا تحكم عليها أو تحللها، بل دونها كما هي.
تخاطر قوي جدا لجلب الحبيب
إذا كنت تتساءل عن كيفية استخدام التخاطر القوي لجذب الحبيب أو استعادة المحبة المفقودة، فقد كتبت مقالة مفصلة عن هذا الموضوع بعنوان: جلب الحبيب بالتخاطر الذهني.
فيها، أتحدث عن كيفية توظيف تقنيات التأمل والتصور الإيجابي والبرمجة الذهنية لإرسال إشارات حب قوية من عقلك الباطن إلى عقل الحبيب. كما أشرح أهمية تنقية المشاعر والنوايا وحل أي جروح عاطفية سابقة، حتى لا تتداخل سلبًا مع عملية الجذب.
لكني أؤكد أيضًا على أن الحب الحقيقي لا يمكن فرضه أو السيطرة عليه بالقوة التخاطرية, وأن أفضل طريقة لجذب الشريك المناسب هي من خلال تطوير الذات والارتقاء بها لتصبح أفضل نسخة منك.
شرح 693 في التخاطر
693 هي طريقة مشهورة للتخاطر، صاغها خبير التنمية الروحية ميلتون كريج، وتتضمن الخطوات التالية:
- 6 دقائق من التنفس العميق والاسترخاء لتهدئة العقل.
- 9 دقائق من التركيز المكثف على شخص معين وإرسال رسالة محددة إليه ذهنيًا.
- 3 دقائق من الاستقبال التخاطري، والانتباه لأي ردود أو إشارات واردة.
يُعتقد أن هذا التسلسل المحدد من الأرقام (6-9-3) له دلالة رمزية ويساعد على تنشيط مراكز الطاقة في الجسم وتنسيق ترددات الدماغ بين المرسل والمستقبل. لكن لا يوجد إثبات علمي لفعالية هذه الطريقة بالتحديد.
التخاطر: النظريات والفرضيات
على مر العقود، حاول العلماء والباحثون تقديم تفسيرات منطقية لظاهرة التخاطر، فظهرت العديد من النظريات والفرضيات وهذا ما وجدت أثناء دراستي للتخاطر ولفهم هذه القوة الرائعه وكانت منها:
نظرية الحقول المورفية (Morphic Fields)
طرح هذه النظرية عالم الأحياء البريطاني روبرت شيلدرايك، وهي تقول بوجود حقول غير مادية تربط بين جميع الكائنات الحية وتسمح بتبادل المعلومات بينها عن طريق ما يسمى بـ “الرنين المورفي” (Morphic Resonance).
فكل نوع من الكائنات له حقله المورفي الخاص، وكلما زاد عدد أفراده زادت كثافة هذا الحقل وقوة تأثيره. وهكذا، يمكن للمعلومات والخبرات أن تنتقل بين أفراد النوع الواحد بطريقة لا شعورية عبر هذه الحقول.٣
رغم إثارة هذه النظرية للجدل في الأوساط العلمية، إلا أنها تقدم تفسيرًا مقنعًا لبعض الظواهر الغامضة، كالتعلم السريع والحدس والتخاطر.
فهي تتيح إمكانية تبادل الأفكار والمشاعر عبر الحقول المورفية دون الحاجة لوسيط مادي وقد أجرى شيلدرايك العديد من التجارب لإثبات نظريته، وحقق بعض النتائج الإيجابية، لكنها لا تزال بحاجة لمزيد من البحث والتدقيق.
فرضية الترابط الكمي (Quantum Entanglement)
تستند هذه الفرضية إلى أحد أغرب مفاهيم ميكانيكا الكم، وهو الترابط الكمي.
ينص هذا المفهوم على أن جسيمين أو أكثر يمكن أن يصبحا مترابطين بحيث تؤثر حالة أحدهما على الآخر بشكل فوري، حتى وإن كانا منفصلين بمسافات هائلة وهكذا، يمكن للمعلومات أن تنتقل بينهما بسرعة تفوق سرعة الضوء.
انطلاقًا من هذه الفكرة، اقترح بعض الباحثين أن الترابط الكمي قد يكون أساسًا لظاهرة التخاطر.
فربما تكون أدمغة البشر (أو أرواحهم) مترابطة كميًا بطريقة ما، مما يسمح بتبادل الأفكار والمشاعر بينها بشكل فوري وغير موضعي. وقد حاول بعض العلماء، أمثال ستيوارت هامروف وروجر بينروز، صياغة نماذج نظرية تربط بين الوعي والترابط الكمي.
لكن هذه الفرضية لا تزال مثيرة للجدل، فهي تواجه تحديات كبيرة، أهمها كيفية الحفاظ على الترابط الكمي في الظروف الفوضوية للدماغ الحي، وكيف يمكن للمعلومات المترابطة كميًا أن تؤثر على النشاط العصبي بطريقة واعية.
كما أن الأدلة التجريبية على هذه الفرضية لا تزال ضعيفة ومتناثرة. لذلك، يتعين على الباحثين إجراء المزيد من الدراسات لاستكشاف هذا الاحتمال المثير.
التجارب العلمية للتخاطر
منذ بدايات القرن العشرين، سعى الباحثون لإخضاع ظاهرة التخاطر للتجريب العلمي الدقيق، في محاولة لإثبات حقيقتها أو دحضها. وقد أجريت مئات التجارب في مختبرات ومعاهد بحثية حول العالم، باستخدام مناهج وأدوات متنوعة.
فما هي أبرز هذه التجارب وما نتائجها؟
تجارب جامعة ديوك (Duke University Experiments)
ثلاثينيات القرن الماضي، أجرى الباحث جوزيف راين وفريقه في جامعة ديوك الأمريكية سلسلة شهيرة من التجارب لاختبار التخاطر، عُرفت باسم “تجارب زينر” (Zener Cards Experiments).
استخدموا فيها مجموعة خاصة من البطاقات تحمل خمسة رموز مختلفة (دائرة، مربع، صليب، نجمة، خطوط متموجة).
كانت التجربة النموذجية تتم كالآتي: يجلس المُرسِل في غرفة منعزلة، ويختار بطاقة عشوائية، ثم يحاول إرسال رمزها ذهنيًا للمستقبِل الجالس في غرفة أخرى, ليقوم المستقبِل بتخمين الرمز وتسجيله.
ثم تتكرر العملية عشرات أو مئات المرات.
النتيجة المتوقعة بالصدفة البحتة هي 20% من التخمينات الصحيحة.
لكن راين وجد أن بعض المشاركين تمكنوا من تحقيق نسب أعلى بكثير، تصل أحيانًا إلى 40% أو حتى 50%. وقد كان أفضلهم أداءً هو الطالب هوبرت بيرس، الذي حقق متوسط دقة يبلغ 34% على مدى آلاف المحاولات.
رغم النتائج المثيرة، تعرضت تجارب راين لانتقادات منهجية عديدة، شككت في مدى صرامتها ودقتها و كما فشل العديد من الباحثين في تكرار النتائج عند محاولة إعادة إجراء التجارب.
تجارب الغانزفيلد (Ganzfeld Experiments)
في سبعينيات القرن الماضي، بدأ الباحثون باستخدام تقنية “الغانزفيلد” (Ganzfeld) لدراسة التخاطر.
تتضمن هذه التقنية وضع المستقبِل في حالة من الحرمان الحسي، عن طريق تعريضه لضوء أبيض او احمر ساطع منتظم، بينما يستلقي الشخص بشكل مريح.
الهدف هو تقليل المدخلات الحسية الخارجية، وجعل المستقبِل أكثر تقبلاً للإشارات الذهنية الخافتة.
يختار المُرسِل هدفًا عشوائيًا من بين أربعة (عادةً صورة أو مقطع فيديو)، ويحاول إرساله ذهنيًا للمستقبِل. بعد 30 دقيقة، يُخرج المستقبِل من حالة الغانزفيلد، ويُطلب منه اختيار الهدف الصحيح من بين الأربعة المحتملة، بناءً على الأفكار والصور الذهنية التي خطرت له أثناء الجلسة.
عادة ما يتم أستخدامها في العروض المسرحية ايضاً.
أجرى الباحثون مئات التجارب باستخدام هذه التقنية، وقام فريق بقيادة تشارلز هونورتون ودارل بيم بتحليل تجميعي (Meta-Analysis) لنتائج 28 دراسة منشورة.
وجدوا أن معدل النجاح الكلي كان 32%، وهو أعلى بكثير من مستوى الصدفة البالغ 25%. واستنتجوا أن هذا يشكل دليلاً قويًا على وجود التخاطر.
لكن هذا التحليل لم يسلم من الانتقادات المنهجية أيضًا، خاصةً فيما يتعلق باحتمالية تحيز النشر (Publication Bias) والمشكلات الإحصائية.
التخاطر بين الأزواج : هل الحب والتعلق يعززان نقل الأفكار والمشاعر؟
في إحدى التجارب المثيرة، قام الباحثون بمراقبة نشاط الدماغ لـ 15 زوجًا من المتطوعين أثناء محاولتهم التواصل تخاطريًا.
جلس كل زوجين في غرفتين منفصلتين، وتم توصيلهما بجهاز تخطيط كهربائية الدماغ (EEG).
ثم طُلب من أحد الزوجين التركيز على مشاعر حب وتعاطف قوية تجاه شريكه، بينما كان الآخر مسترخيًا ومستقبلًا.
النتائج كانت مدهشة: فقد أظهر الزوجان المستقبلان تغيرات واضحة في نشاط موجات غاما في الدماغ، بالتزامن مع تركيز شركائهم على مشاعر الحب القوية.
التخاطر في حياتنا
بعيدًا عن المختبرات والتجارب، كثيرًا ما نسمع قصصًا وروايات شخصية عن تجارب تخاطرية في الحياة اليومية. فمن منا لم يختبر لحظة من “التزامن العجيب” أو “الحدس القوي” مع شخص قريب؟
سواء كان ذلك أن تفكر بصديق قديم فيتصل بك فجأة، أو تشعر بألم مفاجئ ليتبين أن أحد أفراد أسرتك قد تعرض لحادث، أو تحلم بشيء ما ثم يتحقق في الواقع.
بالطبع، من السهل نسب مثل هذه الأحداث للصدفة أو التحيز التأكيدي (Confirmation Bias)، وهو ميلنا لتذكر وتضخيم الحالات الإيجابية وتجاهل السلبية.
لكن بعض الباحثين يرون أن هذه التجارب تستحق الدراسة الجادة، لاستكشاف أنماط التخاطر الشائعة في السياقات الحياتية الطبيعية.
من بين هذه الظواهر، نذكر على سبيل المثال:
1. تخاطر التوائم (Twin Telepathy)
هناك اعتقاد شائع بأن التوائم، خاصةً المتطابقة منها، تتشارك رابطًا تخاطريًا فريدًا يمكنهم من معرفة أفكار ومشاعر بعضهم البعض عن بُعد.
رغم عدم وجود أدلة علمية قاطعة، إلا أن بعض الدراسات وجدت معدلات أعلى من التزامن الانفعالي والمعرفي بين التوائم مقارنة بالأخوة العاديين.١٨
٢. تخاطر الأمهات (Mother-Infant Telepathy)
تشير بعض الأبحاث إلى أن الأمهات قد يطورن حساسية تخاطرية خاصة تجاه أطفالهن الرضع، تمكنهن من استشعار احتياجاتهم ومشاعرهم بشكل حدسي.
قد لوحظ أن الأمهات والأطفال يظهرون تماثلًا في أنماط موجات الدماغ أثناء التفاعل، مما قد يعكس شكلًا من التناغم العصبي بينهم.
٣. التخاطر الحيواني (Animal Telepathy)
هناك العديد من الروايات عن حالات يبدو فيها أن الحيوانات الأليفة، كالكلاب والقطط، تستشعر مشاعر وأفكار أصحابها وتستجيب لها بطرق غامضة لأن بعض الباحثين يدرسون احتمال وجود تواصل تخاطري بين البشر والحيوانات، خاصة تلك التي تربطهم علاقة عاطفية قوية.
بالإضافة إلى هذه الظواهر “التلقائية”، هناك أيضًا محاولات لتوظيف مبادئ التخاطر بشكل عملي وهادف في مجالات مثل:
- التنمية الذاتية والروحية: حيث يُنظر للتخاطر كأداة لتعزيز الحدس والوعي
- العلاج النفسي والجسدي: حيث تستخدم تقنيات “العلاج بالتخاطر” (Teletherapy)
- التواصل مع الحيوانات: حيث يسعى بعض “مدربي الحيوانات النفسيين” (Animal Psychics)
لكن تبقى الأدلة العلمية على فعالية هذه التطبيقات محدودة ومختلطة، وتحتاج لمزيد من البحث والتدقيق قبل اعتمادها بشكل واسع.
التخاطر الروحي في الحب
يؤمن الكثيرون أن التخاطر الروحي يلعب دورًا حاسمًا في العلاقات العاطفية والرومانسية. فالأرواح المتوافقة أو التوائم الروحية تجذب بعضها البعض وتتواصل بعمق، حتى قبل أن تلتقي جسديًا.
فعندما تكون هناك علاقة حب حقيقية، يشعر الطرفان بتناغم وجداني فريد، ويختبران لحظات من التزامن العجيب والفهم المتبادل بدون كلمات. وكأن أرواحهما تلتقي في بعد آخر، وتتشارك المشاعر والأفكار والرغبات بحرية.
لكن هذا الاتصال الروحي لا يحدث بين أي شخصين، بل يتطلب توافقًا عميقًا ونضجًا عاطفيًا وروحيًا. كما أنه لا يلغي أهمية التواصل الصريح والعمل المستمر على تنمية العلاقة في الواقع.
لذلك، فإن التخاطر الروحي في الحب هو تجربة ذاتية يصعب إثباتها علميًا، وتختلف من شخص لآخر ومن علاقة لأخرى. والأهم من البحث عن الدلائل الخارجية عليه، هو الاستماع إلى الحدس الداخلي والمشاعر الصادقة التي توجهنا نحو شريك الروح المناسب.
حكم التخاطر في الإسلام: هل هو حرام؟
يختلف الفقهاء والعلماء المسلمون في حكم التخاطر، فليس هناك نص صريح من الكتاب أو السنة يحرمه أو يبيحه بشكل قاطع. وتتراوح الآراء حوله بين التحريم والكراهة والإباحة بشروط.
فالشيخ ابن باز، على سبيل المثال، يرى أن التخاطر نوع من السحر والكهانة المنهي عنهما شرعًا، لأنه يدخل في ادعاء علم الغيب وقد يصحبه شرك بالله.
بينما يرى بعض العلماء المعاصرين، كالدكتور عمر الأشقر، أن التخاطر إذا حصل تلقائيًا دون تعمد أو سوء نية، فلا بأس به، لأنه من الكرامات أو الخوارق التي قد يؤتيها الله لبعض عباده الصالحين.
والراجح أن حكم التخاطر يعتمد على نية الشخص وطريقة استخدامه له. فإن كان بقصد التعاون على البر والتقوى، أو التواصل مع الأحبة بدافع المودة والرحمة، فهو جائز بل قد يكون محمودًا. أما إن اقترن بنية سيئة، كالتجسس على الآخرين أو التحكم في إرادتهم، أو صاحبته طقوس ومعتقدات مشبوهة، فهو محرم لا شك فيه.
والله تعالى أعلم.
مقال اكثر من رائع دكتور، بوركت على جهودك
العفو هذا واجبنا